فصل: 2ـ فصل فيما لابد للمسافر منه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مختصر منهاج القاصدين **


كتاب آداب السفر

السفر وسيلة إلى الخلاص من مهروب عنه، أو الوصول إلى مرغوب إليه‏.‏

والسفر سفران‏:‏ سفر بظاهر البدن عن الوطن، وسفر بسير القلب عن أسفل سافلين إلى ملكوت السماوات، وهذا أشرف السفرين، فإن الواقف على الحالة التى نشأ عليها عقيب الولادة، الجامد على ما تلقفه بالتقليد من الآباء، لازم درجة القصور، قانع برتبة النقص، ومستبدل بمتسع عرضه السماوات والأرض ظلمة السجن وضيق الحبس‏.‏

ولم أر فى عيوب الناس شيئاً كنقص القادرين على التمام

إلا أن هذا السفر لما كان مقتحمه فى خطر خطير، اندرست مسالكه‏.‏

فأما سفر البدن‏:‏ فهو أقسام، وله فوائد وآفات عظيمة، فإنه يضاهي النظر فى العزلة والمخالطة، وقد ذكرنا منهاج ذلك‏.‏ فالفوائد الباعثة عليه لا تخلو من هرب أو طلب، فالهرب إما من أمر له نكاية فى الأمور الدنيوية، كالطاعون إذا ظهر ببلد، أو كخوف فتنة وخصومة، أو غلاء سعر‏.‏

وإما أمر له نكاية فى الدين، كمن ابتلى فى بلده بجاه أو مال أو اتساع أسباب، فصده عن التجرد لله تعالى، فيؤثر الغربة والخمول ويجتنب السعة والجاه، وكمن يُدعى إلى بدعة أو إلى ولاية عمل لا تحل مباشرته، فيطلب الفرار منه‏.‏

وأما المطلوب، فهو إما دنيوى كالمال والجاه، أو دينى كالعلم بأمور دينه، أو بأخلاقه فى نفسه، أو بآيات الله فى أرضه، وقلّ مذكور بالعلم محصل من زمان الصحابة رضى الله عنهم إلى زمانناً إلا وحصل العلم بالسفر وسافر لأجله‏.‏

وأما علمه بنفسه وأخلاقه، فذلك أيضاً مهم، فإن سلوك الآخرة لا يمكن إلا بتحسين الخلق وتهذيبه، وإنما سمى السفر سفراً، أنه يسفر عن الأخلاق‏.‏ وفى الجملة فالنفس فى الوطن لا تظهر خبائث أخلاقهم لاستئناسها بما يوافق طبعها من المألوفات المعهودة، فإذا حملت وعثاء السفر، وصرفت عن مألوفاتها المعتادة، ولامتحنت بمشاق الغربة، انكشفت غوائلها، ووقع الوقوف على عيوبها‏.‏وأم آيات الله فى أرضه، ففى مشاهدتها فوائد للمستبصر‏:‏

ففيها قطع متجاورات، وفيها الجبال والبرارى والقفار والبحار، وأنواع الحيوان والنبات، وما من شئ إلا وهو شاهد لله بالوحدانية، ومسبح بلسان ذلق لا يدركه إلا من ألقى السمع وهو شهيد‏.‏

وإنما نعنى بالسمع‏:‏ سمع الباطن، فبه يدرك نطق لسان الحال، وما من ذرة فى السماوات والأرض إلا ولها أنواع شاهدات لله سبحانه بالوحدانية‏.‏ وقد ذكرنا أن فوائد السفر الهرب من الولاية والجاه وكثرة العلائق، لأن الدين لا يتم إلا بقلب فارغ عن غير الله، ولا يتصور فراغ القلب فى الدنيا عن مهمات الدنيا والحاجات الضرورية، ولكن يتصور تخفيفها وتقليلها، وقد نجا المخفون وهلك المثقلون، والمخف الذى ليست الدنيا أكبر همه‏.‏

1ـ فصل ‏[‏في السفر المباح‏]‏

ومن أقسام السفر أن يكون مباحاً، كسفر التفرج والتنزه، فأما السياحة فى الأرض لا لمقصود، ولا إلى مكان معروف، فإنه منهى عنه‏.‏ فقد روينا من حديث طاووس أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا رهبانية، ولا تبتل، ولا سياحة فى الإسلام‏"‏ .‏ وقال الإمام أحمد بن حنبل‏:‏ ما السياحة من الإسلام فى شئ ولا من فعل النبيين ولا الصالحين‏.‏ ولأن السفر يشتت القلب، فلا ينبغى للمريد أن يسافر إلا فى طلب علم أو مشاهدة شيخ يقتدى به فى سيرته‏.‏

وللسفر آداب معروفة مذكورة فى مناسك الحج وغيرها‏.‏

من ذلك أن يبدأ برد المظالم ، وقضاء الديون، وإعداد النفقة لمن تلزمه نفقته، ورد الودائع‏.‏

ومنها‏:‏ أن يختار رفيقاً صالحاً، ويودع الأهل والأصدقاء‏.‏

ومنها‏:‏ أن يصلى صلاة الاستخارة، وأن يكون يوم الخميس بكرة‏.‏

ومنها‏:‏ أن لا يمشى منفرداً، وأن يكون أكثر سيره بالليل، ولا يهمل الأذكار والدعية إذا وصل منزلاً أو علا نشزاً أو هبط وادياً‏.‏

ومنها‏:‏ أن يستصحب معه ما فيه مصلحته، كالسواك، والمشط، والمرآة، والمكحلة، ونحو ذلك‏.‏

2ـ فصل فيما لابد للمسافر منه

ينبغى له أن يتزود للدنيا والآخرة، أما زاد الدنيا، فالمطعم والمشرب وما يحتاج إليه‏.‏

ولا ينبغى أن يقول‏:‏ أخرج متوكلاً فلا أحمل زاداً، فهذا جهل، فإن حمل الزاد لا يناقض التوكل‏.‏

وأما زاد الآخرة، فهو العلم الذى يحتاج إليه فى طهارته وصلاته وعبادته، وتعلم رخص السفر، كالقصر والجمع والفطر، ومدة مسح السفر على الخفين والتيمم، والتنفل للماشى، وكل ذلك مذكور فى كتب الفقه بشروط‏.‏

ولابد للمسافر من معرفة ما يتجدد بسب السفر، وهو علم القبلة والأوقات، فمعرفة ذلك فى السفر آكد من الحضر‏.‏ ويستدل على القبلة بالنجوم والشمس والقمر والرياح والمياه والجبال والمجرة على ما هو مبين فى موضعه، ويعتبر الجبال بأن وجودها جميعها مستقبلة البيت‏.‏

وأما المجرَّة فتكون أول الليل ممتدة على كتف المصلى اليسرى إلى القبلة، ثم يلتوى رأسها حتى تصير فى آخر الليل على كتفى اليمنى، وتسمى المجرة‏:‏ سُرُج السماء‏.‏

وأما معرفة أوقات الصلوات، فلابد منها، ووقت الظهر يدخل بزوال الشمس، فلينصب المسافر عوداً مستقيماً، وليعلِّم علامات على رأس الظل، ولينظر، فإن رآه فى النقصان علم انه لم يدخل وقت الظهر، فإذا أخذ فى الزيادة علم أنه قد زالت الشمس ودخل الوقت، وهو أول وقت الظهر، وآخره إذا سرى ظل كل شئ مثله، ثم يدخل أول وقت على العصر، وآخره إلى أن يصير ظل كل شئ مثله‏.‏ وعن الإمام أحمد‏:‏ أن آخره ما لم تصفر الشمس، ثم يذهب وقت الاختيار، ويبقى وقت الجواز إلى غروب الشمس، وباقى الأوقات معروفة‏.‏